
جعفر بدران
عندما نتحدث عن التهديدات الرقمية، غالباً ما يتبادر إلى أذهاننا صورة “هاكر” عبقري أو برامج اختراق معقدة. لكن الحقيقة أن الخطر الأكبر ليس التكنولوجيا بحد ذاتها، بل استهتار المستخدمين. نحن من نترك الأبواب مفتوحة، ونحن من نمنح الآخرين الفرصة للوصول إلى خصوصيتنا، أحياناً من دون أن نشعر.
كلمة المرور… الباب الأول
كلمة المرور ليست مجرد مجموعة أحرف، بل هي الباب الذي يحمي حياتك الرقمية. فإذا كان هذا الباب هشاً أو مكشوفاً، لن يمنع أحداً من الدخول. كثيرون ما زالوا يستخدمون أسماءهم، تواريخ ميلادهم أو أرقام هواتفهم ككلمات مرور، وهي خيارات يمكن لأي مخترق توقعها بسهولة.
الكلمة القوية يجب أن تكون مزيجاً معقداً من الحروف الكبيرة والصغيرة والأرقام والرموز، والأهم أن تكون مختلفة لكل حساب. فإذا انكسر أحد الأبواب، تبقى الأبواب الأخرى مغلقة.
المصادقة الثنائية… الحارس الصامت
حتى أقوى كلمة مرور لا تكفي وحدها. هنا يأتي دور المصادقة الثنائية (Two-Factor Authentication)، التي يمكن تشبيهها بالحارس الواقف خلف الباب: حتى لو امتلك شخص المفتاح، لن يتمكن من الدخول إلا بمصادقة إضافية.
يمكن تفعيل هذه الميزة عبر إعدادات الحسابات، حيث تصل رموز مؤقتة إلى هاتفك أو عبر تطبيقات مخصصة. لكن لا بد من الانتباه إلى تحديث رقم الهاتف باستمرار، والاحتفاظ بالأكواد الاحتياطية في مكان آمن، وإلا قد تجد نفسك مغلقاً خارج حساباتك إذا فقدت جهازك أو رقمك.
الحسابات القديمة… قنابل موقوتة
كثيرون يتركون حسابات قديمة منسية على فيسبوك أو إنستغرام أو غيرهما. المشكلة أن هذه الحسابات غالباً تبقى مرتبطة بأرقام هواتف قديمة. ومع قيام شركات الاتصالات بإعادة بيع الأرقام بعد فترة، يصبح من السهل لشخص آخر أن يستعيد تلك الحسابات وكأنه أنت.
الأسوأ أن هذه الحسابات قد تحتوي صوراً أو محتوى شخصياً حساساً، يمكن أن يتحول إلى أداة ابتزاز أو وسيلة لانتحال شخصيتك.
انتحال الشخصية… الوجه الجديد للجريمة الرقمية
لم يعد مستغرباً أن تصلك طلبات صداقة من حسابات تحمل نفس اسمك أو صورة صديقك. هذه الحسابات الوهمية تُستخدم لاختراق ثقتك وسرقة بياناتك أو خداعك بطرق غير مباشرة.
الحياة الرقمية… شارع مزدحم
يمكن تشبيه العالم الرقمي بشارع مزدحم: إذا لم تكن يقظاً، فهناك ألف طريقة للتعرض إلى السرقة أو الوقوع في مشكلة. لذلك:
اختر كلمات مرور قوية وفريدة.
فعّل المصادقة الثنائية.
أغلق الحسابات غير المستخدمة.
تحقق دائماً من هوية من يتواصل معك.
وعي قبل كل شيء
التكنولوجيا بحد ذاتها ليست خطراً، الخطر الحقيقي هو أن نعيش بلا وعي رقمي. ما يبدو خطوات بسيطة مثل تغيير كلمة مرور أو حذف حساب قديم، قد ينقذك من كارثة مستقبلية.
فلنسأل أنفسنا: هل هذه الإجراءات سهلة؟ نعم. لكنها تحتاج قبل كل شيء إلى وعي مستمر وإدراك أن حياتنا الرقمية باتت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا الواقعية.