وجهات نظر

إسرائيل وإيران .. مواجهة توازنات لا حلول

إسرائيل وإيران .. مواجهة توازنات لا حلول

د. باسل الحاج جاسم
باحث ومستشار سياسي سوري

رغم إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن التوصل إلى تفاهم لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، إلا أن طبيعة هذا الاتفاق ومدى صلابته لا تزال موضع تساؤل. فبعد سنوات من النزاع غير المباشر، دخل الطرفان في مواجهة عسكرية مباشرة، استمرت قرابة أسبوعين من الضربات الجوية المتبادلة، وهو ما دفع البعض للتشكيك في فرص استمرارية التهدئة.

حتى الآن، لا تزال تفاصيل التهدئة غير واضحة، إذ لم يُعلَن عن أي اتفاق مكتوب يحدد الشروط أو آليات التنفيذ. ما جرى يبدو أقرب إلى تفاهم شفهي بين طهران وواشنطن وتل أبيب لوقف التصعيد العسكري، دون الخوض في أي مسارات تفاوضية مستقبلية تتعلق بالملف النووي الإيراني أو برنامج الصواريخ الباليستية. كما لا توجد مؤشرات واضحة حتى الآن على استعداد الولايات المتحدة وإيران لاستئناف المفاوضات النووية، التي كانت قد انهارت سابقاً بسبب تصاعد التوتر بين الطرفين.

ومع ذلك، فإن للتهدئة دوافع براغماتية لجميع الأطراف. الولايات المتحدة، التي تعاني من إرهاق استراتيجي بسبب تدخلاتها السابقة في الشرق الأوسط، تفضّل تجنّب الانزلاق في حرب جديدة. في الوقت ذاته، يبدو النظام الإيراني مضطراً لخفض التوتر، بفعل الضغوط الاقتصادية والانقسامات الداخلية التي تهدد استقراره. أما بالنسبة إلى ترامب، فكان عليه التوفيق بين تيارين داخل قاعدته السياسية: أحدهما يرفض الانخراط في صراعات خارجية، وآخر يرى في دعم إسرائيل مصلحة أميركية بحتة.

اقرأ أيضا: طلبوا 100 ألف دولار.. تحرير مختطف في حمص بعد عشرة أيام من الاحتجاز

إسرائيل بدورها أدركت أن الاستمرار في التصعيد قد يجرها إلى مواجهة مكلفة، خصوصاً بعدما تمكّنت من توجيه ضربات مؤثرة لقدرات إيران الصاروخية، وتصفية عدد من رموز الحرس الثوري. كما أن الحفاظ على التنسيق مع الإدارة الأميركية كان عنصراً حاسماً في القبول بوقف القتال.

أما إيران، فوجدت نفسها في وضع لا يسمح لها بخسارة المزيد. استمرار الهجمات على منشآتها الحساسة يقرّب سيناريو المواجهة مع واشنطن، وهو ما تسعى طهران لتجنّبه في ظل هشاشة الداخل الإيراني. فكل يوم إضافي في القتال قد يكون مدمّراً، ليس فقط عسكرياً، بل على مستوى شرعية النظام نفسه.

التهدئة أيضاً تريح بعض الدول الإقليمية التي ترى في المشروع النووي الإيراني تهديداً، لكنها لا تملك استعداداً لتحمّل كلفة حرب واسعة. ومع ذلك، تبقى إيران حذرة في تقديم تنازلات حقيقية، خصوصاً بعد تجارب سابقة أظهرت أن تل أبيب لا تتردد في استئناف العمليات حتى في ظل وجود قنوات دبلوماسية مفتوحة. حكومة نتنياهو، منذ أحداث أكتوبر 2023، تبدو متمسكة برؤية أمنية تقوم على التفوق والردع، لا على الشراكة أو التسوية طويلة الأمد.

ورغم الخسائر التي لحقت بالبنية العسكرية الإيرانية، لا تبدو طهران على وشك الانهيار. بل من المرجّح أنها ستسعى لإعادة ترميم قدراتها الدفاعية، ولو على مراحل، مستفيدة من تجربتها الطويلة في امتصاص الصدمات والعودة التدريجية إلى الميدان.

التصعيد الأخير حمل مؤشرات خطيرة على تطور نوعي في المواجهة. فإسرائيل استطاعت، حسب تقاريرها، تحييد جزء كبير من الدفاعات الجوية الإيرانية، ما منحها قدرة أكبر على التحرك الجوي. في المقابل، ردت إيران باستخدام صواريخ وطائرات مسيّرة، استهدفت بها مواقع حيوية داخل إسرائيل، متبعة تكتيك الضربات الموزّعة زمناً ومكاناً.

لكن هذه الردود لم تثنِ إسرائيل، بل حفّزتها على مواصلة الضغط. ورغم أن تل أبيب تصف عملياتها بأنها دفاعية أو استباقية، إلا أن طبيعتها ووتيرتها توحي بأنها قد تحمل أهدافاً أبعد من مجرد وقف البرنامج النووي الإيراني، وربما تصل إلى محاولة تفكيك البنية الأمنية للنظام.

منذ الحرب العراقية الإيرانية، أثبتت طهران مرونة سياسية تراهن على الانسحاب التكتيكي مقابل تحقيق مكاسب لاحقة. فالقيادة الإيرانية تميل إلى خفض التصعيد عند الضرورة، لكنها لا تنسى إعادة التموضع متى سنحت الفرصة. ومن هذا المنطلق، لا يبدو أن النظام مستعد لتقديم تنازلات جوهرية، حتى لو أبدى انفتاحاً على تسوية ظرفية لتخفيف العقوبات.

وفيما يُلوّح البعض بورقة إغلاق مضيق هرمز كورقة ضغط، إلا أن هذا السيناريو بعيد الاحتمال. فإغلاق المضيق سيضرّ إيران قبل غيرها، نظراً لاعتمادها الكبير عليه في وارداتها، فضلاً عن تعقيداته الجغرافية والسياسية، ووجود بدائل إقليمية تقلّل من أثر هذا التهديد. كما أن رد الفعل الدولي، لا سيما من الصين، لن يكون في مصلحة طهران.

بالمجمل، تمكّنت إسرائيل من تحقيق بعض أهدافها عبر موجات الضربات المركّزة، التي قلّصت من قدرات إيران الهجومية وأجبرتها على التركيز الدفاعي. بالمقابل، يبدو أن إيران قرّرت الرد بالمثل، في محاولة لإثبات الجاهزية، ومنع فرض شروط قسرية في أي مفاوضات مستقبلية.

ويبقى القول، لا ينبغي النظر إلى الهدوء النسبي الحالي كدليل على تغيّر جذري في مواقف الطرفين، بل كمرحلة مؤقتة من الردع المتبادل، محكومة بتوازن هش قد ينهار في أي لحظة إذا تبدّلت موازين القوة أو الإرادة السياسية لدى أحد اللاعبين الرئيسيين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

فضلا تعطيل إضافة حاجب الإعلانات لتصفح الموقع