سوريا

الأسرار السبعة لـ الكنيسة تصبح ثمانية في سوريا

رأي || أحمد خوجة – صحفي سوري 

عشر سنوات من الحرب التي حملت معها للسوريين ويلات القتل والجوع والدمار وإثارة النعرات الطائفية البغيضة والكثير من مصطلحات تصب في بوتقة الجحيم وصولاً للعنصرية والكراهية, صفات دخيلة على المجتمع السوري ونسيجه الذي كان يضرب به المثل في التعايش السلمي على مر العصور.

لـ متابعة الأخبار العاجلة على الواتساب إضغط هنا

حيث لم تكن سوريا بمدنها وأريافها يوماً تفرق بين أبنائها على مختلف توجهاتهم ومعتقداتهم فمن دمشق عرف العالم أن النجمة والصليب والهلال يجتمعون في صورة واحدة دوماً, زخرفات البيوت والحواري المكناة كانت متلاصقة تدعم جدرانها الإلفة وحسن الجوار والمحبة, وفي التاريخ الحديث لا تغيب الصورة الفوتوغرافية التي تبين مأذنة جامع التوحيد بحلب وبجانبها أجراس مزار مار جورجيوس .

اقرأ المزيد : اتفاق تركي – روسي ينص على وقف التصعيد في إدلب

 

هذا النسيج الذي يبلغ من العمر آلافاً من السنين قوياً متماسكاً كالسنديانة التي تشمخ ويقوى جذعها كلما مرت الأيام, حاول نظام الأسد أن يضرم النيران فيه ويفكك خيوطه من خلال بث التفرقة وإشعال فتيل الطائفية, في محاولة منه لإخماد الاحتجاجات التي تحولت بسبب قمعه وغطرسته الى ثورة شعب في جميع أنحاء البلاد.

فبتنا نرى أفكارا دخيلة على مجتمعنا السوري لم نكن نعرفها سابقا تدعو للعنصرية والكراهية، في توجه لا يستخدمه حتى الشيطان نفسه، لكن وبالرغم من جميع محاولاته كان يجب على صناع القرار في نظام الأسد وداعميه أن يتيقنوا من ان الأصل غلاب.

فأصالة الشعب وتربيته وقيمه النبيلة تأبى أن تتلوث بهكذا أفكار حتى وإن تأثرت بها في فترة من الفترات لكن لا ظلام يدوم ولا نور شمس يأفل.

 

وهنا نستذكر الازمة الطائفية في حلب والتي حدثنا عنها الأرشمندريت “اغناطيوس ديك” في مقالة كتبها عام 2012 ذكر فيها “حادثة سوق الأحد” عام 1936 والتي نجم عنها عدد من القتلى بين المسلمين والمسيحيين للمرة الأولى في تاريخ سوريا والتي أشعلها الإنتداب الفرنسي بعد تنامي قوة التيارات الوطنية التي كانت تناضل ضد المستعمر .

وبنفس طريقة نظام الأسد استهدف الفرنسيون وحدة السوريين في الصميم واشعلوا فتنة بين طائفتين لم تدم نيرانها طويلاً بجهود رجال الدين المسيحيين والمسلمين فكما أسلفت هذا النسيج الأصيل قوي بقوة الأرض وجذوره أعمق من أن تصلها معاول الفتنة، فكان بيان عام 1941 والذي تم طرحه  من مطرانية السريان وناقشه ممثلين عن جميع الطوائف بحلب .

والذي تم إصداره وإعتماده يوم الإثنين 28 نيسان من تحت قبة مطرانية الروم الكاثوليك بحضور مفتي الجمهورية وقاضي حلب وكبار رجالات الدين وطبع في الجرائد ووزعت نسخه الى جميع الحلبيين كبيان يمثل درع وسيف في وجه من يحاول تفرقة الاخوة وضرب سلمهم وتعايشهم .

منذ أيام تداولت التقارير خبرا عن وصول احدى العائلات المسيحية من منطقة السقيلبية التي تسيطر عليها قوات الأسد الى ريف حلب الشمالي الواقع تحت سيطرة المعارضة، رب العائلة رجل خمسيني يعيل أربعة أبناء لم يستطع تحمل رؤية مستقبلهم يضيع دون أن يفعل شيئا فقرر ومن خلال تواصله مع أصدقائه في  المناطق المحررة أن يهاجر ويترك بيته رغم خطورة الأمر.

فمجرد أن تعلم الأجهزة المخابراتية لدى نظام الأسد أنه ينوي الهجرة الى المنطقة سيبدأ مسلسل الاعتقال التعسفي بحقه، وبالفعل واثناء انطلاقه  في رحلته مع أطفاله تم اعتقالهم جميعاً من قبل المخابرات الجوية وهو جهاز من أجهزة النظام الأمنية الذي أرعب السوريين لعقود طويلة.

خلال التحقيق لم يثبت عليه شيء وأنكر أي تهمة وجهها له المحققون برغم التعذيب الجسدي الذي مورس بحقه والنفسي حيث كان أطفاله معتقلين أيضا دون أي مراعاة لطفولتهم، خمسة عشر يوماً وورقة تعهد أجبر أن يوقع عليها تفيد بعدم مغادرته للمنطقة جعلته يصمم أكثر من ذي قبل على الخروج من بلد حولها النظام إلى مزرعة خاصة به، وانطلق مجددا عازما على الرحيل إلى بر الأمان ونجح بعد ثلاثة أيام بالوصول الى ريف عفرين حيث كان بانتظاره اصدقاؤه والكثير ممن سمعوا بقدومه .

هذه العائلة الناجية من نظام الأسد شأنها شأن المعتقلين المفرج عنهم، وصلوا إلى سوريا الحقيقية التي لا تفرق بين أبنائها فمنذ وصوله كون صداقات مع اشخاص مختلفي الطوائف وبطيبة سورية خالصة، وجدوا الحب والسلام والاطمئنان الذي سرقه المجرمون طيلة عشر سنوات.

أسرار الكنيسة السبعة في سوريا تصبح ثمانية، فالألفة والحب والتعايش والاصالة والايثار صفات لا تسمع عنها فقط بل تجدها في سهرات السوريين وضحكاتهم ونظرات أعينهم.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

فضلا تعطيل إضافة حاجب الإعلانات لتصفح الموقع