احتفل التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا، بهزيمة تنظيم الدولة في آخر معاقله، ببلدة الباغوز على الفرات، في منتصف عام 2019 وغدت فلولها عبارة عن عناصر متخفية، في عمق الصحراء بين بادية دير الزور، وتدمر .
فجأة يصدم العالم بظهور التنظيم بعد عامين من هزيمته، ليضرب داخل مدينة الحسكة بهذه القوة، وتحرر ألاف السجناء، ويخوض معركة حامية الوطيس، على مدى عشرة أيام، وهذا ماجعل المراقبين، والمهتمين يضعون ألف إشارة استفهام، على هذا الحدث غير المتوقع، ويخلق حالة من الذعر، والخوف لدى سكان المنطقة، وقلق، وترقب من قبل الأوساط الدولية.
نعم تحدث اختراقات أمنية في كل دول العالم، حتى القوية، والمتقدمة منها، لكن عادة مايكون الاختراق الأمني باغتيال شخصيات، أو إدخال عبوة ناسفة، وماشابه ذلك.
اقرأ أيضا: مقاتل من “قسد” عن معارك الحسكة: “هدول الدواعش دواسين الظلمة” (شاهد)
أما اختراق أمني بهذا الحجم الكبير، وهذه الخطورة رغم كثافة الحواجز، والتواجد الأمريكي، وقوة المراقبة، والحراسة المشددة، فيدخل التنظيم بمئات العناصر، ويقوم بتحرير آلاف السجناء، من داخل سجن الصناعة، في حي غويران، بمدينة الحسكة، ويخوض معركة مع ميليشيات قسد، على مدى عشرة أيام داخل الأحياء السكنية، فهذا مالايمكن تصديقه سيما وأن الأخبار الواردة من مدينة الحسكة، تؤكد قيام “قسد”، بإغلاق جميع الشوارع المؤدية الى السجن، قبل يومين من العملية المزعومة، وأحد مسؤولي قسد (قائد عسكري) يصرح أن لديهم اخبار قبل ثلاثة أشهر، باحتمال وقوع عملية من التنظيم، وهذا دليل على وجود تواطؤ، وتنسيق من قبل حرس السجن، وقيادات في صفوف قسد!
كان هناك تعتيم إعلامي، من قبل قسد حول الأحداث، وتصريحات متناقضة كل يوم، خلال المعارك، لكن الأسئلة المتداولة، كيف دخل المئات من عناصر تنظيمك الدولة، إلى داخل مدينة الحسكة، دون اكتشافهم ؟ وكيف حصلوا على السلاح ؟ ومن أين هذه الكميات الكبيرة، من الذخيرة التي قاتلوا بها لعشرة أيام، ولم تنفذ ؟ كل ذلك يضع قسد في خانة الاتهام، ولايبرئ أمريكا.
فقدت “قسد” على إثرها العشرات من عناصرها (وجلهم من المرتزقة العرب )وهناك الكثير من المفقودين، كما تم تجريف العشرات من المنازل بعد طرد أهلها وأعلنت قيادت من قسد، أنها اضطرت للتفاوض مع “التنظيم”، بغية إطلاق سبعة عشر أسيرا، من عناصرها لديه، مقابل إطلاق سراح 90 سجينا، وهناك أنباء تتحدث عن مئتي سجين، وأخرى أفادت بإطلاق 800 سجين من التنظيم.
وهذه الاتهامات لقسد، لم تات عبثا، أو جزافا، فبعد كل هذا الاستغراب من دخول التنظيم، واستحالة تحرير الآلاف من السجناء، وهذه المعركة التي خاضتها، ماكان لها أن تحصل، لولا وجود تواطؤ من قبل “قسد”، هناك حقيقة يدركها العالم جميعا، وهي أن بقاء القوات الأمريكية في سورية، مرتبط بوجود “داعش”، وبقاء قسد، واستمرارها مرتبط ببقاء القوات الأمريكية، والمتوقع من هذه العملية عدة أهداف : أولها إطلاق سراح المئات من سجناء التنظيم، لاستخدامهم في أماكن أخرى، وثانيها قتل، وتصفية بعض العناصر، لقاء صفقات كبيرة من بعض الدول، وثالثها وهو الأهم، إرسال رسالة مفادها أن “داعش” أعادت تنظيم صفوفها، وغدت تشكل خطرا كبيرا على المنطقة برمتها، وهذا يتطلب بقاء القوات الأمريكية في المنطقة، إن في سورية، وإن في العراق، ومن ثم زيادة الدعم الدولي لميليشيا “قسد”.
هذا كما استغلت داعش هذه الحادثة، لتقوم بالانتقام من جميع معارضي وجودها في المنطقة، واتهامهم بأنهم حاضنة لداعش، لاعتقالهم، والتنكيل بهم، بغية إخضاعهم، واستسلامهم، سيما وان حي غويران من أوائل الأحياء في الحسكة التي ثارت بوجه النظام واستعصى على النظام لولا أن استخدم النظام صنيعته قسد وذلك بقصد تهجير سكانه وجميعهم من العرب والقبائل العربية تحديدا وهذا ماحصل بالفعل للحيين العربيين، غويران، وحوش الباعر الزهور، اللذين تعرضها للتهجير، واعتقال المئات منهم، وهدم، وتجريف عشرات المنازل في الحيين المذكورين، وهكذا تستمر فزاعة “داعش”، وذريعتها لتنفيذ سياسات، ومشاريع بعض الميليشيات، والقوى الدولية في المنطقة، والضحية هم عرب المنطقة، ومستقبلهم.
لمحة عن الكاتب: محمود الماضي رئيس الهيئة السياسية في محافظة الحسكة