إدلب … لماذا كل هذا الحقد ؟
في وقت تعربد فيه طائرات الأسد وتمزق أشلاء أطفال إدلب في أماكن نزوحهم، كما توثق الصور الآتية من هناك، تخرج “صحافية” للحديث عن المحافظة ، لا للتضامن مع مأساتها كما يفترض الواجب الإنساني والأخلاقي قبل الإعلامي، بل تكتب في تدوينة لها ، تهم شيطنة للمحافظة وطعن بأعراض نحو 4 ملايين مدني فيها.
والرد هنا سيكون ليس على الصحفية الشخص، إنما الرد على أصحاب هذا الفكر المتطرف وهم حالة، وحالة مستعصية فلو كان كلامها لوحدها لتجاهلته كما تجاهلت اسمها.
لقد كتبتْ تغريدة أتحفظ على ما بدر فيها لكن اضطررت لنشرها كما هي في إشارة لكمية الفجاجة التي وردت في تدوينة ما يفترض بها إعلامية ، حيث اتهمت إدلب بـ “جهاد النكاح” مروجةً بذلك تهمة كان قد شنها بداية الثورة المدعو غسان بن جدو ، على السوريين المناهضين لنظام بشار الأسد.
ربما تجاهلت “الصحافية” أن السوريين القاطنين في المناطق المحررة هم متنوعون الانتماء الديني ، والمناطقي ، والفكري ، وخلافاً لما تروجه وغيرها من إعلاميين وجهات ومؤسسات من أن الشمال السوري “تورا بورا” ، تؤكد شهادات عديدة أن تلك المنطقة تشهد حياةً مدنيةً تتمثل بالفعاليات المتنوعة وخاصة الرياضية ، فضلاً عما تسجله من نهضة في الخدمات والبنية التحتية ، وحركة غير مسبوقة في العقارات والإنشاءات وما الصور القادمة من سرمدا عن ذلك ببعيد.
اقرأ أيضا: لماذا فشلت المعارضة السورية بقيادة الثورة ؟
ويحضر هنا في السياق كيف شهدت إدلب قبيل سيطرة قوات النظام وميليشياته على مناطق فيها ، كيف شهدت تجربة مجالس محلية شاركت فيها المرأة، وانطلاق محطات راديو وغيرها من نماذج تعكس واقع الحياة في المناطق المستهدفة ليس فقط من براميل الأسد ، بل مستهدفة معنويا من قبل إعلاميين موالين له.
ورغم ذلك ، لم تنس إدلب مأساة العالم ، بل على مافيها من قصف ، وحصار ، إلا أنها تضامنت مع غزة وقبلها السويداء ، لا بل إن جدارياتها تضامنت حتى مع ضحية العنصرية جورج فلويد وكل ذلك تتجاهله شفيع وغيرها من إعلاميين يؤيدون محور البراميل ويضربون صفحاً عن ميليشيات إيران الثأرية الماضوية ، التي تداعت لذبح السوريين ، من مزار شريف في أفغانستان ، إلى حزب الله جنوب لبنان.
هؤلاء الذين يهددون الدول العربية ، بالمخدرات تارةً ويهربوها بالمفخخات المسيرة تارة، ارتكبوا إلى جانب قوات الأسد ، أشنع الجرائم بحق السوريين ، ذبحاً بالسكاكين ( الحولة وبانياس وكرم الزيتون والتريمسة) ، وقصفاً بالبراميل المتفجرة والسكود ، بقروا حتى بطون الحوامل ، واغتصبوا الحرائر ، واستنطقوا ضحية وهي تحضر بعدما ارتكبوا مجزرة داريا لتكرار مقولتهم “الجماعات المسلحة” ، ثم ماذا بعد ؟ لم تنتهِ القائمة.
هذه الميليشات الثأرية ، نبشت حتى قبر الخليفة عمر بن عبد العزيز في إدلب قبل عامين كما أنها ، أي الميليشيات ، أقامت “أسواق غنائم أهل السنة” في إشارة واضحة للبعد العقدي والمذهبي لحرب الإبادة التي تشنها ميليشيات الأسد وإيران على السوريين والتي تؤيدها المدعوة شفيع وإن ما تفوهت به الأخيرة لا يخرج عن دأب ومبدأ ، إعلام نظام البراميل ، الذي شيطن السوريين ،ودمر حواضرهم ، وذبحهم في حفرة التضامن الشهيرة ” كرمى لعيون المعلم”.
بل إن ذلك تأكيد على مدى حقدهم على السوريين المناهضين لسيطرة ميليشيات إيران حتى إن اضطروا للسكن في مخيمات لاتقي برداً ولا حراً.
وما قالته “الصحافية” ، ليس رأياً في قضية وارد الخلاف فيها ، كأن يختلف اثنان مثلاً، على موضوع نشأة كورونا ، هل هو طبيعي ، أم جرى تصنيعه في مختبر ، وصراحةً سمعت وجهات نظر مختلفة في الموضوع وكل له أسبابه ، لكن ثمة أشياء لا يمكن القول باختلاف وجهات النظر حولها ، كأن يذبح نظام الأسد 1500 روح في غوطة دمشق ، ثم يبدي شخص تأييده للمجزرة من بوابة “حرية الاختلاف” ، فمرةً حدث انفجار في مدرسة عكرمة بحمص ، راح ضحيته أطفال ، وأذكر حينها كيف ترحمت أنا وكثيرون على الضحايا واستنكرنا الجريمة لأن المبادىء لا تتجزأ.
وعليه يكون ما تفوهت به شفيع ، ليس كلاماً يمكن استساغته من بوابة حرية الرأي ، بل جريمة متكاملة الأركان ، جريمة بحق الإنسانية ، وجريمة بحق المجال الإعلامي الذي يفترض في من يعمل فيه قول الحقيقة والانحياز للضحية بعيدا عن أي اصطفاف سياسي.
كان يمكن لها ولغيرها ، ابتكار أساليب شيطنة جديدة ، لكن ترويجهم للطعن بالأعراض دليل على حالة مستعصية، غير قابلة للتفكير حتى إذا كان ذلك في سبيل تطوير شبهة ضد الطرف الآخر ، وهذا الجمود مرده لحالة مؤيدي محور البراميل ، حالة تختصر البلد تاريخاً وحاضراً باسم شخص واحد ، ولأجله لتراق الدماء وتهدم الحواضر.
وإذا كان هذا “طرح” ما يفترض به شخص عامل في الإعلام ، نعم ، هو المجال الذي يُختبر فيه الشخص أخلاقياً قبل المهنية ، وفي المهنية ، ينتقي الكلمات بعناية ، هل لكم أن تتخيلوا مستوى “الرقي” الذي يتمتع به أبو “حيدر جوية” ؟ وفي الحديث عن معتقلات الأسدية ، هل سألت “الصحافية” المذكورة، نفسها ، عن الجناية ، التي ارتكبها أطفال الدكتورة رانيا العباسي ، الذين غُيبوا مع أمهم وأبيهم منذ سنوات ؟
بقلم: كاظم البرجس آل طوقان
صحفي سوري حاصل على إجازة في الصحافة والإعلام من جامعة دمشق